مرجع مطالعات تاریخ‌پژوهانه کتاب و سنت

قراءه نقدیه فی روایه دعاء الجوشن الکبیر

الجوشن الکبیر
الجوشن الکبیر

اشتراک گذاری این مطلب:

بسم الله الرّحمن الرّحیم
قراءه نقدیه فی روایه دعاء الجوشن الکبیر

ابراهیم جواد

الحمد لله ربّ العالمین، والصّلاه والسّلام على سیّد الأنبیاء والمرسلین، محمّد بن عبد الله الصّادق الأمین، وعلى أهل بیته الطیّبین الطّاهرین، واللّعن الدّائم على أعدائهم أجمعین إلى یوم الدّین، أمّا بعد:

فقد بیّنتُ فی المقاله الموجزه (کلمهٌ حول دعاء الجوشن الکبیر) أنّ هذا الدّعاء لا أصل له فی تراث الإمامیّه القدماء، وأنّ أوّل من رواه هو الشّیخ الکفعمیّ المتوفّى أوائل القرن العاشر الهجریّ، وأنّ ما أشیر إلیه فی «مهج الدّعوات» لم یکن من السیّد ابن طاوس، وإنّما من إضافات غیره على الکتاب، وذکرنا دلائل ذلک.
وحیث کان البناء فی تلک المقاله على الإیجاز، فقد آثرتُ الاستفصال لمزیدٍ من البیان ولا سیّما مع ما ظهر فی بعض المناقشات الأخیره من الخلط بین الأبحاث وعدم التدقیق فی جهه کلّ مطلبٍ، فإنّ الدّعوى أنّ الدّعاء شدید الضّعف، ولا قرائن تورث الوثوق بصدوره عن أهل البیت علیهم السّلام أوّلاً، وأنّه مأخوذٌ من متصوّفه العامّه ثانیاً، ولا یخفى أنّ کلا البحثین منفصلان، فإنّ نفیَ کونه من المتصوّفه لا یُوجبُ بالضّروره وثوقاً بصدوره، بل یبقى البحث فی قرائن الوثوق قائماً على حدهٍ، فهو بحث مستقلّ.
کما أنّه قد وقع خلطٌ آخر من جهه سوء فهم کلمات الفقهاء (رضوان الله علیهم)، فإنّ تجویزهم وقبولهم للتعبّد بالدّعاء مبنیٌّ على التّسامح فی أدلّه السّنن أو البناء على رجاء المطلوبیّه أو من باب الدّخول فی عمومات الحثّ على الدّعاء، وهذه مسألهٌ عملیّهٌ لا تفید شیئاً فی البحث المتعلّق بالصّنعه الحدیثیّه التی تهتم بالنّظر فی أدلّه الوثوق؛ فإنّ غایه ما یُستفاد من روایات «من بلغه» أو سائر أدلّه التّسامح هو تسویغ العمل بالرّوایه الضّعیفه، وهذا الأمر أجنبیٌّ عن البحث فی قرائن الوثوق، فلا ینبغی الخلط بین ضوابط الصّنعه الحدیثیّه وقواعد الصّناعه الفقهیّه.
وبعبارهٍ أخرى: غایه ما تفیده ضوابط الصّناعه الفقهیّه هو بیان جواز تلاوه الدّعاء المنسوب لأهل البیت علیهم السّلام، وأمّا کون الجواز قرینه من قرائن الوثوق فهذا لا تتکفّل به تلک القواعد، ولم یدّعِه أحدٌ من الفقهاء.
وکذلک فالأمر هنا لا یتعلّق بوثاقه الشّیخ الکفعمیّ وغیره لیُصار إلى الاستدلال علیها، فوثاقته وعلمه وجلالته ممّا لا نقاش فیه بین أهل العلم، کما أنّ وثاقه مصنّف الکتاب لا توجب إغماض النّظر عن الفحص فی أسانیده أو مصادره، فإنّ الکلینیّ أجلّ وأوثق وأضبط من الکفعمیّ، وهو من کبار الأعلام المتقدّمین، ومع ذلک نرى العلماء یدقّقون فی روایاته، وینقدون جملهً منها، ویتوقّفون فی بعضها، ومناقشاتهم وافرهٌ فی هذا الباب. هذا، والکلینیّ کتابه مسندٌ، ومصادره أوثق وأضبط، وأصوله بتراث أصحاب الأئمّه ألصق، ومع ذلک نرى هذا النّقد والتأمّل فیما رواه، فکیف تکون وثاقه الکفعمیّ وجلالته ممّا یمنع النّظر والتأمّل فی بعض مرویّاته؟ ولذا فإنّ الاحتجاج بما جاء فی ترجمه الکفعمیّ من التوثیق والمدیح تطویلٌ بلا طائل، ولیس له أیّ فائدهٍ تُذکَر، فلیس النّزاعُ فی وثاقته (رضوان الله علیه)، وإنّما الکلام فی الوثوق بالروایه التی نقلها، والمصدر الذی أخذ عنه.
ومن هنا ینبغی الفصل بین المباحث والتّدقیق فی جهه کلّ بحث.

الأمر الأوّل: بحثٌ فی الوثوق بصدور الدّعاء عن أهل البیت علیهم السّلام.
وفی مقام البحث عن قرائن الوثوق ینبغی النّظر فی ثلاثه أمور: السّند، المصدر، المتن.
أمّا الأوّل: فمن الجدیر بالذّکر أنّنا لم نعثر على إسنادٍ لروایه الدّعاء، فهو من الحدیث المرسَل، وهو من أقسام الحدیث الضّعیف.
وأمّا الثّانی: فلم یظهر لنا دلیلٌ على أنّه منقولٌ من تراث الإمامیّه المتقدّمین، أو أنّه روایهٌ شیعیّهٌ إمامیّهٌ، وأمّا دعوى أنّ الأصل هو کون الرّوایه إمامیّه حتّى یثبت الخلاف فغیر مُسَلَّمهٍ، ولم یتحقّق لنا دلیلٌ على ثبوت هذا الأصل، ولا سیّما مع ملاحظه بعض مصادر الشّیخ الکفعمی وتصریحه بالنقل عن جملهٍ من کتب العامّه، قال الکفعمیّ فی خاتمه کتابه: (ولنُشِرْ إلى ذکر الکتب التی أشرنا إلیها فی خطبته، ووعدنا بالذّکر لها فی دیباجته، المجموع منها هذا الکتاب وما فیه من أصله وحواشیه من أماکن متعدّده ومواطن متبدّده)[۱]، ثمّ ذکر مصادره التی اعتمد علیها، وفیها جملهٌ من مصادر العامّه، نذکر منها:
۱- ربیع الأبرار للزّمخشریّ المعتزلیّ.
۲- الطبقات الکبیر لمحمّد بن سعد أحد مؤرّخی العامّه.
۳- حیاه الحیوان للدّمیریّ.
۴- النّهایه لابن الأثیر الجزریّ.
۵- شرح نهج البلاغه لابن أبی الحدید.
۶- تفسیر الثّعلبیّ.
۷- السّنن للبیهقیّ.
۸- مفاتح الغیب للفخر الرّازیّ.
۹- الفرج بعد الشدّه -وهو للقاضی التنوخیّ-.
۱۰- کتاب قوت القلوب لأبی طالب المکّی -وهو من المتصوّفه-.
۱۱- کتاب مسند ابن حنبل.
۱۲- کتاب التّذکره للقرطبیّ.
۱۳- کتاب جامع ابن وهب.
فأیّ دلیلٍ على وجود هذا الأصل فی التّعامل مع روایات المتأخّرین؟! ولا سیّما بعد حصول العلم بوفره نقلهم عن العامّه. وفی خصوص هذا المورد، سیأتی ما یفید کون الدّعاء معروفاً عند العامّه، فی حین أنّه لا أثر له فی تراث الإمامیّه قبل القرن التّاسع الهجریّ.
وأمّا الثّالث: فمن جهه المتن لا نجدُ قرائن تفید الوثوق بصدوره عن أهل البیت علیهم السّلام؛ فإنّ فی هذا السّبک غرابه لا تتلاءم مع سائر أدعیتهم الثابته المعتبره، وسیأتی المزید من الکلام فی مقالهٍ مستقلّهٍ تبیّن احتواء المتن على ما یبعّد الوثوق بصدوره.

الأمر الثّانی: شهره الدّعاء ورواجه بین متصوّفه العامّه.
ویزیدُ الرّوایه ضعفاً أن تکون الرّوایه من تراث متصوّفه العامّه؛ فإنّهم -کما ذکرنا فی المقاله الأولى- أقلّ ضبطاً وعنایهً بقواعد الرّوایه، وأکثر جرأهً على تبریر مخترعاتهم باختلاق الرّوایات، وقد ذُکِرَ فی کلمات بعض علماء العامّه رواج هذا الدّعاء بین بعض عوامهم مع التأکید على عدم وجوده فی مصنّفات الحدیث، وهو ما یلوِّح بکون الدّعاء من أدعیه المتصوّفه؛ فإنّهم -خلافاً لمنهج أهل الحدیث- متساهلون فی النّقل وإنشاء الأوراد والأحزاب والتعبّد بما لا أصل له فی الأحادیث.
وممّن أشار لوجود هذا الدّعاء: أبو سلیمان الخطّابیّ المتوفّى سنه ۳۸۸ هجریّه فی کتابه (شأن الدّعاء) حیث قال: (وقد أولع کثیرٌ من العامّه بأدعیهٍ منکرهٍ اخترعوها، وأسماء سمّوها، ما أنزل الله بها من سلطانٍ، وقد یوجد فی أیدیهم دستورٌ من الأسماء والأدعیه یسمونه: “الألف الاسم”. صنعها لهم بعض المتکلّفین من أهل الجهل والجرأه على الله عزّ وجلّ، أکثرها زورٌ وافتراء على الله عز وجلّ، فلیجتنبها الدّاعی إلا ما وافق منها الصواب إن شاء الله تعالى)[۲].
والصّغانیّ المتوفى سنه ۶۵۰ هجریّه فی کتابه (الموضوعات) حیث قال: (وکذا الاعتناء بألف اسم واسم، یدعو بعض العوام بها، ولم یرد فیها خبر ولا أثر عن السلف الصالحین وأئمه الهدى)[۳].
وهنا ینبغی الإشاره إلى عدّه جهاتٍ:
الجهه الأولى: أنّ علماء الحدیث عند العامّه قد نقدوا هذا الدّعاء وذکروا أنّه لا أصل روائیَّ له، وأنّه مما راج بین العوام، فلیس لأهل الحدیث عند العامّه علاقه بهذه الرّوایه، وعادهً ما یکون منشأ هذه الأدعیه -إن لم یکن لها أصلٌ- بعض الطّرق الصّوفیّه والمشتغلون بالأوراد والأحزاب، وهم لهم یدٌ طولى فی إنشائها، ویؤیّد هذا ما سیأتی بیانه من من اشتهار الدّعاء بألف اسمٍ عند الصّوفیه وحضور دعاء الجوشن فی نسخهم.
الجهه الثّانیه: إنّ تسمیه الدّعاء بـ«دعاء ألف اسمٍ واسمٍ» مستلّهٌ من روایه دعاء الجوشن الکبیر فقد ورد فیها: (قال الحسین علیه السلام: أوصانی أبی علیه السلام بحفظه وتعظیمه، وأن أکتبه على کفنه، وأن أعلِّمه أهلی وأحثَّهم علیه، وهو ألفُ اسمٍ واسمٍ)[۴]، وهذه التّسمیه «ألف اسم واسم» لیست محض إحصاء لعدد الأسماء، بل أصبحت عَلَماً على أصل هذا الدّعاء. ولذلک نرى فی بعض مخطوطات المتصوّفه قد جمعوا بین الاسمین، وهذا یقرّب کون دعاء الجوشن الکبیر الذی نقله الکفعمیّ هو إحدى تحریرات الدّعاء عندهم فهو موجود عندهم مع اختلافاتٍ فی ترتیب الفقرات والفقره التی تُکرّر فی نهایه کلّ مقطع.
وهنا نذکر تحریرین فی مخطوطات الصّوفیّه لدعاء الجوشن مع التنبیه على أمرین:
۱. أنّ کلا التحریرین مختلفان عن تحریر روایه الکفعمیّ وترتیبها، فمن هنا لا وجه لدعوى أنّهم نقلوا الدّعاء عن الکفعمیّ، کما أنّهما یکشفان عن وجود أکثر من ترتیبٍ لهذه الأسماء التی عُدّت ألف اسمٍ واسم.
۲. أنّهم قد نصّوا فی بعض النّسخ على تسمیه دعاء «الجوشن» بـ«دعاء الألف اسم واسم» -وهی السّمه نفسها الوارده فی روایه الکفعمیّ-، وهذا یقرّب لنا أنّ ما أشار إلیه الخطّابی والصّغانیّ هو نفس دعاء الجوشن الکبیر، مع أنّهما ذکرا اشتهاره بین العوام، وهذا یقتضی انتشاره وتداوم نقله، والموجود بین أیدی عوام المتصوّفه الیوم هی هذه التحریرات المختلفه للدّعاء، فهی مجتمعهٌ على ذکر ألف اسم واسمٍ ولکنها تختلف فی الترتیب والفقره التّکراریّه فی نهایه کل مقطع.
ودعوى التّغایر بین دعاء الألف اسم واسم الذی أشار إلیه الخطّابی ودعاء الجوشن فی غایه الضّعف؛ فإنّ الخطّابیّ قد أشار إلى تداول الدّعاء واشتهاره بین العوام فی زمانه -وهو القرن الرّابع الهجریّ-، والمتداول فی زماننا الحاضر وفی النّسخ الخطیّه من الدّعاء بألف اسمٍ واسم شدید التّقارب مع دعاء الجوشن الکبیر، وهما وإن لم یتطابقا حذو النّعل بالنّعل إلّا أنّ شدّه التقارب بینهما تؤکّد وحده الأصل لهذه التحریرات المختلفه. ومثل هذا الاختلاف والتفاوت فی ترتیب الدّعاء أو الزّیاده والنقیصه مما لا ینبغی أن یستغرب منه من له درایهٌ بالتراث الرّوائیّ؛ فإنّ هذه الظّاهره ملحوظهٌ فی نقل بعض الأدعیه، کما هو الحال بالنّسبه لدعاء العشرات المرویّ عن الإمام الحسین علیه السّلام، فله أکثر من روایه وترتیب مختلف، وفی ذلک قال السیّد ابن طاوس: (إنّی وقفتُ على خمس روایاتٍ بدعاء العشرات، تختلفُ روایتها فی النّقصان والزّیادات)[۵]، وقال فی موضع آخر: (واعلم أنّ هذا دعاءٌ عظیمٌ من أسرار الدّعوات، ووجدتُ به ستّ روایات مختلفات)[۶]، فالاختلاف من جهه الزّیاده والنقیصه أو ترتیب العبارات لا ینافی وحده الأصل المرویّ عنه.
وعلى أیّه حالٍ، لو سلّمنا أنّ ما أشار إلیه الخطّابی والصّغانیّ من دعاء ألف اسم واسم لیس هو دعاء ألف اسم واسم المتداول عند الصّوفیّه فهذا لا یضرّ بما نحن فیه؛ فیکفی فی المقام ثبوت التّقارب بین تحریر روایه الکفعمیّ وما هو متداول عندهم ومحفوظٌ فی تراثهم المخطوط ومکتباتهم.
والحاصل: إنّ دعاء الجوشن الکبیر له نفس سِمه الدّعاء المتداول عند المتصّوفه فکلاهما یقال له: (ألف اسم واسم)، کما أنّ الفقرات متقاربه وإن وقع تفاوتٌ فی ترتیبها تقدیماً وتأخیراً.
التّحریر الأوّل: ما ورد فی نسخه خطیّه فی «مکتبه حکیم أوغلو» برقم (۵۲۰).

التّحریر الثّانی: ما ورد فی نسخه خطیّه فی «مکتبه آیا صوفیا» برقم (۲۷۷۲).
وفیه إشاره إلى تسمیته بـ«ألف اسمٍ واسم» فی ثلاثه مواضع.

والمُلاحظ فی هذه النّسخه أمران:
۱- تسمیه الجوشن باسم دعاء الألف اسم واسم فی أکثر من موضعٍ، وقد ورد فی ص۱۳: (ولهذا الدّعاء أخبارٌ مشهورهٌ فی سرعه الإجابه، وهو کنزٌ من کنوز الجنّه، وبهذا الدّعاء یدعو المظلومین [کذا]، والله أعلم بهذا الدّعاء، وهو الدّعاء المعروف بـ«ألف اسم واسم»).
۲- أنّها تحتوی على ذکر ثواب دعاء الجوشن على لسان جبریل علیه السّلام کما فی روایه الکفعمیّ، إلّا أنّ فیها زیادات غیر موجوده فی روایه الکفعمیّ.
والحاصل: إنّ دعاء الألف اسم واسم متعارفٌ علیه عند متصوّفه العامّه منذ القِدَم، ولم یظهر لنا أیّ دلیل على حضور هذا الدّعاء فی تراث قدماء الإمامیّه، فمن هنا نستقربُ أن یکون الشیخ الکفعمیّ قد أخذ هذا التّحریر منهم، ولا نحتمل أن یکونوا قد أخذوه منه؛ لأنّ للدّعاء تحریرات مختلفه فی الترتیب، وما عندهم لا یطابق تحریر روایه الکفعمیّ.
فإن قلت: کما أنّ ترتیب روایه الکفعمیّ یختلف عن ترتیبهم، فلم لا یقال إنّه لم یأخذه منهم؟
الجواب: قد ذکرنا أنّ للدّعاء أکثر من تحریرٍ متداولٍ عندهم، والظّاهر أنّ ما نقله الکفعمیّ هو أحد هذه التحریرات، ویشهد بذلک شدّه التقارب حتّى مع وجود الاختلاف، فمن هنا صحّ أن یُقال إنّهم لم یأخذوا عن الکفعمیّ لأنّه لم ینقل سوى تحریرٍ واحدٍ له، بینما هم ینقلون فی کتبهم تحریرات مختلفه کلّها تندرج تحت عنوان الدّعاء بألف اسمٍ واسمٍ وهو دعاء الجوشن الکبیر کما نصّوا علیه، بل حتّى لو لم ینصّوا على ذلک، من الواضح أنّ ما یسمّونه بدعاء الألف اسم شدید التّقارب مع التحریر الذی نقله الکفعمیّ، فلا یمکن نفی وحده الأصل کما أشرنا سابقاً وذکرنا لک دعاء العشرات مثالاً، وحَمْلُ هذا الأمر على أنّه مجرّد احتمالٍ فی غایه الوهن، وإلّا فکیف یمکن تفسیر التقارب الشّدید فی روایه ثواب الدّعاء وفی حضور الألف اسم والتّسمیه بالاسم نفسه فی روایه الکفعمیّ وروایتهم؟! فهذه التحریرات المختلفه متقاربه بنحوٍ یبعد معه وقوع الصّدفه العجیبه فی الاتّفاق.
وقد ذکرنا فی المقاله الأولى وجهاً لتأیید نقل الشیخ الکفعمی عن التراث الصوفیّ، وهو أنّ الشیخ الکفعمیّ متأثّر بأشیاء عند الصوفیّه فی الجُمله، وقد نقل عنهم أشیاء عدیده تلائم الذّوق الصّوفی ولا أثر لها فی تراث أهل البیت علیهم السّلام، ولا یُنقَضُ هذا القول بدعوى أنّه مستنِدٌ إلى أصلٍ شرعیٍّ وهو التّسامح فی أدلّه السّنن؛ فإنّ جملهً ممّا نقله لا یمکن أن یندرج فی باب التّسامح، وذلک أنّ المنقول لیس روایهً من الأصل، فقد نقل خواصّ الأسماء الحسنى عن الحافظ رجب البرسیّ وفیها ما لا یُرتاب فی کونه من مخترعات الصوفیّه، وهو لم ینسبه إلى روایهٍ أصلاً، فکیف یمکن إجراء قاعده التسامح فی أدله السنن وهی لا تشمل المبتکرات والاختراعات المستحدثه؟!

ولتتضح الصّوره أکثر، فلیُنظر فی الخواص المنسوبه إلى تلک الأسماء -وقد ذکرها فی أواخر کتابه «البلد الأمین»-، فمنها: (العزیز: ذکره أربعه وتسعین مرّه عقیب الفجر فی کلّ یومٍ یکشف أسرار علم السّیمیاء والکیمیاء)، ومنها: (عالم الغیب: من قرأه بعد الصّلاه عشر مرات حصل له الکشف عن المغیبات)، ومنها: (الغنیّ المُغنی: من ذکرهما عَشر جُمَعٍ، کلّ جمعهٍ عشره آلاف مرّه، ولا یأکلُ حیواناً، أغناه الله عاجلاً وآجلاً)، فأین تجدُ فی تراث الإمامیّه مثل هذا النّحو من الأوراد والأذکار، وفیها ما یشتمل على المنهیّ عنه من ترک أکل الحیوان، وهو ممّا عُرِف به المتصوّفه؟ وکیف یمکن تبریر هذا الأمر بقاعده التّسامح مع وضوح عدم کون هذه الخواص المذکوره للأسماء الحسنى روایهً، ولا تشبه شیئاً من حدیث أهل البیت علیهم السّلام، ویعزّز ذلک وجود الأرقام المستحدثه للأذکار من قبیل ذکر (الله) ۶۶ مره، وذکر (الملک) ۶۴ مرّه، وذکر (المؤمن) ۱۳۶ مرّه، وذکر (الوهّاب) ۱۴ مرّه، وأنت تعلم خلوّ روایات أهل البیت علیهم السّلام من الأذکار بهذا النّحو من الأرقام، وإنّما الظّاهر فی روایاتهم المعتبره هو تقیید أعداد الذّکر بأعداد الوتر (۳) و(۷)، أو أعداد العقود من قبیل: (۱۰)، (۳۰)، (۴۰)، (۷۰)، وکذلک (۱۰۰)، وهلمّ جرّاً، ولم نر فی الروایات تخصیص ذکرٍ معیّن بمثل هذه الأرقام (۶۴-۱۳۶-۲۸۸-۹۴-۱۴) وغیرها ممّا عُرِف به المتصوّفه؛ ومنشأ ذلک عندهم: أنّهم یحسبون أعداد الذّکر وفقاً لقواعد عدیده منها ما یُعرَف بحساب الجمل، وهو یقوم على فکره أنّ لکل حرفٍ قیمهً عددیّه فی حساب الجمل، فعلى سبیل المثال: قد نقل الکفعمیّ عن الحافظ رجب البرسیّ أنّ ذکر (الوهاب) یُذکر ۱۴ مرّه، والوجه فی ذلک أنّ مجموع حروفه یساوی ۱۴، فقیمه حرف الواو (۶)، وحرف الهاء (۵)، وحرف الألف (۱)، وحرف الباء (۲)، فیکون المجموع ۱۴، وهذا هو السّبب فی تخصیص أعداد الذّکر بالأسماء الحسنى بأرقام غریبه لا أثر لها فی أحادیث الإمامیّه، وطریقهٍ لم تُؤثَر عن أئمّه الهدى.
فهذا هو نهج الصّوفیّه فی الأوراد والأذکار، وقد أورد الشّیخ الکفعمیّ (رحمه الله) هذه الأشیاء ونحوها فی کتابٍ وضعه لیعمل به الشّیعه، فإن لم یکن هذا تأثّراً بالمنهج الصّوفیّ، فما هی ضابطه التأثّر حینئذٍ؟! وکیف یمکن استبعاد نقله عن المتصوّفه الذین لدیهم هذا النّحو من التّخلیط؟!

الأمر الثّالث: فی مرجوحیّه التعبّد بالدّعاء به فی لیالی القدر.
وقد أشرنا لذلک من قبل فی المقاله الأولى، فإنّه لم یثبت فی روایه دعاء الجوشن کونه من أعمال لیالی القدر، وبالتّالی فلا داعی للإصرار على هذه المسأله مع عدم وجود مدرک خاصّ لها. بالإضافه إلى ما نؤکّد علیه مراراً من ضروره العوده إلى تراث قدماء الإمامیّه وإحیاء کثیر من الأدعیه المهجوره وفیها ما هو حائز على شرائط الاعتبار، فهل یوجد دلیلٌ شرعیٌّ أو فتوى فقیهٍ یمنع من تقدیم دعاءٍ على آخر من باب ترتیب الأولویّات؟! فإنّ الأولویّه هی للأدعیه التی رواها المحمّدون الثّلاثه وأمثالهم، فهم لم ینقلوا من وجاداتٍ لا أصل معروف لها، وإنّما استقوا من معین تراث أصحاب الأئمّه، وهو أولى وأرجح من وجادات القرون المتأخّره التی اختلط فیها الغثّ بالسمین.
وکم من دعاءٍ معتبرٍ هُجِرَ فی الصّحیفه الکامله للإمام علیّ بن الحسین علیه السّلام وکتاب الدّعاء فی کتاب الکافی الشّریف لثقه الإسلام الکلینیّ لصالح تلک الوجادات الضّعیفه، فهل من قُبْحٍ فی ترجیح تلک النّفائس العظیمه على وجادات القرون المتأخّره؟! وهل من شَیْنٍ فی إحیاء السّنن المعتبره وإحیاء مجالس العباده بها؟!

والحاصل ممّا تقدّم:
۱- إنّ روایه دعاء الجوشن الکبیر مرسله، ولیس لدینا قرائن تورث الوثوق بصدوره، سواء بلحاظ السّند أو المصدر أو المتن.
۲- إنّ الدّعاء بالصّیغه التی نقلها الکفعمیّ مقاربٌ جدّاً لما هو متداول عند الصّوفیّه، وحیث إنّهم یتداولون تحریرات مختلفه فی الترتیب إجمالاً فمن القریب أن یکون الکفعمیّ قد أخذه عن واحدٍ منها، إلّا أن یکون منشأ هذا التّقارب مع الروایه الصوفیّه هو محض الصّدفه. کما أنّ الشیخ رحمه الله کان متأثّراً بالتّراث العامیّ والصوفیّ إلى حدٍّ ما فی کتابیه «البلد الأمین» و «المصباح»، وهو ما ینفی الاستیحاش من ثبوت نقله عنهم. وعلى فرض التّسلیم بعدم أخذه عنهم، فلا یمکن أن یُصار إلى التّسلیم بأنّ دعاء الجوشن روایه إمامیّه، فهو من قبیل مجهول المصدر.
۳- إنّ تراث قدماء الإمامیّه أولى بالاعتبار من غیره، ولذلک لا نرى وجهاً معتبراً لهجران کثیر من الأدعیه المعتبره لأجل الاهتمام بوجادات متأخّره لا دلیل على اعتبارها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[۱] جُنه الأمان الباقیه وجَنّه الإیمان الباقیه «المصباح»، ص۷۷۰ (ط. إسماعیلیان -طهران).
[۲] شأن الدّعاء، ص۱۶.
[۳] الموضوعات، ص۷۵.
[۴] بحار الأنوار، ج۹۱، ص۳۸۴.
[۵] جمال الأسبوع، ص۲۷۹.
[۶] مهج الدعوات، ص۱۹۴.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *